تعتبر مدونة الشغل من أهم المشاريع ذات الطابع الاجتماعي والتي عاشت خلال مخاض تواجدها مراحل الأخذ والرد حتى تم عرضها على الفرقاء الاجتماعيين لإعطاء رأيهم فيها وقد جاءت مدونة الشغل لتثبيت موقف الجميع من السلم الاجتماعي خاصة بعد أن تعمق دخول المغرب إلى العولمة بعد توقيعة على اتفاقية مراكش (الكاط) سنة 1994.
وتشكل مدونة الشغل قفزة نوعية بتاريخ التشريع المغربي جاءت في وقت كثر فيه الحديث عن عولمة الرساميل وانتقالها عبر القارات وانخراط المغرب في هذا المسار الاقتصادي الواعد قد عجل بالنظرة الموضوعية لكل قضايا الشغل المطروحة منذ مدة على الساحة النقابية إن لم يكن ميكانيزم تجنيد العار قد ساهم في تحريكها ،وقد جاء في تصدير المدونة تلك الرغبة في الانتقال بالمغرب إلى حلبة التنافسية العالمية والانخراط الجدي في تطوير الاقتصاد الوطني تقول" تأتي مدونة الشغل في وقت يسعى فيه المغرب إلى فتح أوراش التأهيل الاقتصادي والاجتماعي ، للاستجابة لرهانات التنمية ورفع تحديات العولمة والتنافسية ، ولفتح المجال أمام الاستثمار الوطني والأجنبي في القطاع الخاص ، لأهمية الدور المنوط به لبناء اقتصاد عصري."(1)
وقد انخرطت المرأة المغربية في ميدان الشغل بعد التطورات التي طرأت على بنية المغرب الاقتصادية والاجتماعية بعد الحرب العالمية الثانية حيث عملت فرنسا على إعادة بناء اقتصادها المنهار انطلاقا من تأسيسها لمؤسسات ضخمة بالمغرب ، وقد خص ظهير 13/07/1926 المرأة العاملة بمقتضيات تنظيمية لتشغيل النساء حيث نص هذا الظهير على: (منع قيام النساء بأي عمل يتجاوز 10 ساعات في النهار ومنع العمل الليلي ما بين 9 ليلا والخامسة صباحا ،كما نص هذا الظهير على حق العاملة في إجازة الوضع لثمانية أسابيع بدون اعتبار ذلك بمثابة فسخ للعقد ،كما مكنها من التمتع لمدة 6 أشهر التي تلي الوضع بالتوقف عن العمل لمدة نصف ساعة صباحا وأخرى بالمساء قصد الإرضاع ، كما منع هذا الظهير تشغيل الأجيرات في الاشغال الباطنة تحت الأرض في المناجم والمقالع ، كما نص هذا الظهير على إلزامية سهر رؤساء المحلات الصناعية والتجارية على المحافظة على حسن الآداب والأخلاق ومراعاة أمور الحشمة واللياقة العامة).
نلاحظ أن المبدأ التشريعي لهذا الظهير قد استمر في التواجد بجل التشريعات التي طُبقت بالمغرب مع بعض التعديلات التي سنستعرضها خلال هذا العرض.
- إذن ما هي الوضعية القانونية للأجيرة بالمدونة الحالية ؟
- ما هي مستجدات المدونة فيما يتعلق بالعاملة الأجيرة من خلال عقد الشغل ، إبرامه وسيرورته وإنهاؤه؟
- هل نستطيع الحكم على المدونة في غياب القوانين التنظيمية ،و أن نصف تعاطيها لمشاكل العاملة الأجيرة بالايجابية أو بالسلبية؟
- هل نجد في مراحل عقد الشغل الإمكانية التي نقرا من خلالها الوضعية الدونية للمرأة؟
لقد طرحنا السؤال النقدي التحليلي على مدونة الشغل(99.65) لتعميق التساؤل حول الوضعية القانونية للعاملة الأجيرة بالاعتماد على أهم مراجع الفقه القانوني وخاصة المرجع الثلاثي التأليف الذي تطرق بالتحليل والنقد لمشروع 1998(2)
وقد انقسم هذا العرض إلى ثلاث محاور رئيسية تطرقت من خلالها لمستجدات المدونة التي لامست فيها البداية الفعلية لانخراط العاملة الأجيرة بالمقاولة بدءا بإبرامها للعقد مرورا بمعرفة آثار صيرورة عقدها وتنفيذه بالموازاة مع ظروف الشغل في إطار التبعية القانونية للمشغل ، حتى مرحلة إنهاء هذا العقد.
كما ذيّلنا هذا العرض ببعض المقاربات النقدية كنتائج نأمل أن يؤدي خروج النصوص التنظيمية إلى تطبيق مواد المدونة في جو تجد فيه العاملة الأجيرة نفسها متساوية مع الأجير داخل نفس المقاولة.
- فإلى أي حد استطاع عقد الشغل تحقيق التوازن في وضعية المرأة الأجيرة وتبرير تبعيتها لمشغلها وحق هذا الأخير في إصدار التعليمات على اعتبار أن خضوع الأجيرة وتبعيتها لمشغلها انطلاقا من توقيعها لعقد الشغل هي المبرر الواقعي لتطبيق أحكام المدونة الحالية.
لهذا جاءت إشكالية البحث تستهدف إبراز مستجدات المدونة من خلال الروابط القانونية التي تحكم الروابط العقدية الخاصة بالعاملة الأجيرة من حيث مختلف العطل التي تتمتع بها والتغيبات المؤدى وغير المُؤدى عنها وحفظ الصحة والسلامة والأخلاق الحميدة داخل المقاولة ونظام الأجور ومسألة التعويض عن حوادث الشغل والأمراض المهنية . المطلب الأول:المرأة الأجيرة من خلال إبرامها عقد الشغل.
الفقرة الأولى :إنشاء العقد وفق مبدأ عدم التمييز.
تشير المدونة لأول مرة في تاريخ تشريع الشغل المغربي صراحة عن فك ذلك التمييز الذي كانت تعاني منه النساء العاملات فيما قبل ، وجاء القسم الثالث من المادة 9 بصيغة منع التمييز فيما يخص إبرام عقد الشغل " يمنع كل تمييز بين الأجراء"وبذلك أصبح حق المرأة في إبرام عقد الشغل من أساسيات تواجدها بالمقاولة ، وقد نصت المادة 15 التي تستوجب حصول رضى أطراف العقد على "تتوقف صحة عقد الشغل على الشروط المتعلقة بتراضي الطرفين".
وقد ركزت المدونة على مبدأ عدم التمييز لتحقيق أساس تكافؤ الفرص في مواد أخري جاءت تحت اسم ، الوساطة في الاستخدام وتشغيل الأجراء وخاصة المادة478 ، لتكرر أحكام المادة9 لاعتبار الدور الريادي الذي تقون به وكالات التشغيل في هذا الباب تقول :" يمنع على وكالات التشغيل الخصوصية كل تمييز يقوم على أساس العرق ، أو اللون ،أو الجنس ، أو الدين ، أو الرأي السياسي ، أو الأصل الوطني ، أو الأصل الاجتماعي ، من شانه المس بمبدأ تكافؤ الفرص والمعاملة في ميدان التشغيل."
الفقرة الثانية :السياسة الأجرية انعكاس لدونية المرأة داخل العقد.
قبل ظهير18/06/1936،كانت الأجور في ميدان الشغل المغربي تخضع لقانون العقود والالتزامات على أساس مبدأ العرض والطلب حيث أشارت القرارات التي عدّلته (قراري 1937و1938) ،إلى الفرق بين الأجر الممنوح لكل من الرجل والمرأة.
وقد ظلت تصورات الحماية الفرنسية حاضرة في بقاء "مناطق الأجور " إلى غاية 15/01/1972 ، تاريخ صدور المرسوم الذي وحًّد الحد الأدنى للأجور دون التطرق للميز المُؤسس على الجنس والسن(3)
ورغم سعي المغرب لاحترام اتفاقية رقم 100 حول المساواة في الأجور والتعويضات ، التي صادق عليها المغرب بظهير 17/12/1980 فإن تقرير برنامج الأمم المتحدة للتنمية لسنة 1995 قد سجل وجود تمييز بالنسبة لأجور العاملات حيث نسبة أجورهن أقل من 50 °/° فقط من أجور الرجال في نفس وضعيتهن المهنية.
ومن مظاهر استفاقة التشريع المغربي لعناصر التمييز الأجرية بين الجنسين انسجامه الأخير بالمدونة مع روح المواثيق الدولية ومقتضيات الاتفاقيات الدولية التي وقعها بالعلاقة مع مبادئ الدستور رغم توقيعه على الاتفاقية رقم 111 بشأن تحريم التمييز في التشغيل والعمل التي ألغت على المستوى القانوني كل مظاهر التمييز الأجرية القائمة على الجنس بين الرجل والمرأة ، مع العلم أنه قد صادق سنة 1979 على الاتفاقية رقم100 حول المساواة الأجرية بين الجنسين.
وقد تطرقت المدونة بالمادة 346 صراحة بالمنع لكل تمييز في الأجر بين الرجل والمرأة، تقول "يمنع كل تمييز في الأجر بين الجنسين ، إذا تساوت قيمة الشغل الذي يؤديانه . " وقد عززتها بمقتضيات زجرية جاءت بالمادة 361 في إطار الزجر بالغرامة وقد تُضاعف الغرامة في حالة خرق مقتضيات المادة السابقة الذكر إمعانا للأولوية التي تعطيها المدونة لصورة المرأة والتعامل معها ايجابيا داخل سوق الشغل، جاء في هذه المادة"...يعاقب عن عدم التقيد بأحكام المادة 346 بغرامة من 25000 إلى 30000 درهم.