نعم .. قصة أحكيها .. لك أنت أيتها الأخت العفيفة .. العزيزة الشريفة ..
فأنتِ أعز ما لدينا.. أنت الأم والأخت .. والزوجة والبنت ..
أنت نصف المجتمع .. وأنت التي تلدين النصف الآخر..
نعم تلدين الخطيب البارع .. والإمام النافع .. وتربين المجاهد المؤيد .. والقائد المسدد ..
فلك مني قصص وكلمات .. وأحاديث وهمسات .. لعلها تبلغ حبةَ قلبك؟.. وتصل إلى شغاف نفسك ؟..
فالنساء شقائق الرجال ..فكما أن في الرجال عالم جليل .. وداعية نبيل .. ففي النساء كذلك ..
وكما أن في الرجال صوامون في النهار .. بكاؤون في الأسحار ..
ففي النساء كذلك ..
وكم من امرأة سابقت الرجال .. في صالح الأقوال والأعمال .. فسبقتهم ..
في عبادتها لربها ..ونصرتها لدينها .. وإنفاقها وعلمها ..
عند البخاري :
أن النبي صلى الله عليه وسلم قبل أن يوحى إليه بالنبوة .. كان يذهب إلى غار حراء .. بجانب المدينة .. فيتعبد فيه ..
فبينما هو صلى الله عليه وسلم في هدوء الغار يوماً .. إذ جاءه جبريل فجأة .. فقال : اقرأ ..
ففزع النبي صلى الله عليه وسلم منه .. وقال : ما قرأت كتاباً قط .. ولا أحسنه .. وما أكتب .. وما أقرأ ..
فأخذه جبريل فضمه إليه .. حتى بلغ منه الجهد .. ثم تركه .. فقال : اقرأ ..
فقال صلى الله عليه وسلم : ما أنا بقارئ ..
فأخذه فضمه إليه الثانية.. حتى بلغ منه الجهد .. ثم تركه .. فقال : اقرأ ..
فقال صلى الله عليه وسلم : ما أنا بقارئ .. فأخذه جبريل فضمه إليه الثانية.. حتى بلغ منه الجهد .. ثم تركه ..
فقال : " اقرأ باسم ربك الذي خلق * خلق الإنسان من علق * اقرأ وربك الأكرم * الذي علم بالقلم * علم الإنسان ما لم يعلم " ..
فلما سمع النبي صلى الله عليه وسلم هذه الآيات .. ورأى هذا المنظر .. اشتد فزعه .. ورجف فؤاده .. ثم رجع إلى المدينة ..
فدخل على خديجة أم المؤمنين رضي الله عنها . فقال : زملوني .. زملزني .. أي غطوني بالفرش .. ثم اضطجع .. وغطوه ..
وأم المؤمنين .. تنظر إليه لا تدري ما الذي أفزعه ..
فلبث صلى الله عليه وسلم ملياً حتى سكن روعه ..
ثم التفت إلى خديجة فأخبرها الخبر .. وقال لها : يا خديجة .. لقد خشيت على نفسي ..
فقالت خديجة : كلا .. والله لا يخزيك الله أبداً .. إنك لتصل الرحم .. وتقري الضيف .. وتحمل الكل .. وتكسب المعدوم .. وتعين على نوائب الحق ..
ثم لم ينقطع خيرها .. ولم يقف حماسها ..
وإنما أخذت بيده صلى الله عليه وسلم .. فانطلقت به حتى أتت ورقة بن نوفل ابن عمها .. وكان شيخاً كبيراً أعمى .. وكان امرءاً قد تنصر في الجاهلية .. وكان يقرأ الإنجيل .. ويكتبه .. ويعرف أخبار الأنبياء ..
فلما دخلت عليه خديجة جلست إليه ومعها رسول الله صلى الله عليه وسلم.. فقالت له : يا ابن عم ! اسمع من ابن أخيك ..
فقال له ورقة : يا ابن أخي ماذا ترى ؟
فأخبره رسول الله صلى الله عليه وسلم خبر ما رأى .. وما سمع من القرآن ..
فقال ورقة : سبوح .. سبوح .. أبشر ثم أبشر .. هذا الناموس الذي أنزل على موسى ..
ثم قال ورقة : يا ليتني فيها جذعاً .. حين يخرجك قومك .. أي شاباً قوياً لأخرج معك وأنصرك ؟
ففزع صلى الله عليه وسلم وقال : أومخرجيَّ هم ؟!
فقال : نعم ! إنه لم يأت أحد بمثل ما جئت به إلا عودي .. وإن يدركني يومك أنصرك نصراً مؤزراً .. أي أنصرك نصراً عزيزاً أبداً ..
ثم خرج صلى الله عليه وسلم مع زوجه خديجة .. وقد أيقنت خديجة أن عهد النوم قد تولى .. وأنها مع زوج سيبتلى .. وقد تخرج من بيتها .. وتؤذى في نفسها .. وهي المرأة التي نشأت غنية منعمة .. حسيبة مكرمة .. وهاهي تستقبل البلاء ..
فهل تخاذلت عن نصرة الدين .. أو خلطت الشك باليقين .. كلا .. بل آمنت بربها .. ونصرت نبيها.. بمالها .. ورأيها .. وجهدها .. ولم يزل هذا حالها حتى لقيت ربها ..
وقد روى مسلم أن النبي صلى الله عليه وسلم أتاه جبريل فقال : يا رسول الله.. هذه خديجة .. قد أتتك ومعها إناء فيه إدام أو طعام أو شراب .. فإذا هي أتتك فاقرأ عليها السلام من ربها.. ومني.. وبشرها ببيت في الجنة من قصب.. لا صخب فيه ولا نصب ..