مثل ظهوره مطلع التسعينات ظاهرة توقف عندها الكثيرون، لا بالإعجاب فقط ولكن بالهجوم أيضاً. إلا أن الشيء الذي لم يستطع إنكاره كلا الفريقين المعارض والمؤيد للداعية الشاب عمرو خالد، هو نجاحه في استقطاب شباب الطبقة الوسطى العليا وطبقة الأثرياء، وهي الفئة التي لم يكن معلوماً عنها من قبل اهتمامها بالدين وفروضه بأي شكل من الأشكال. «لم تكن لعائلتي أي اهتمامات دينية من الممكن من خلالها التنبؤ باشتغالي بالدعوة فيما بعد، فأسرتي جزء من الطبقة المتوسطة التي كان تعاملها مع الدين في فترة الستينات من خلال التربية والأخلاق. كنت وشقيقتي الصغري نصلي ونصوم ونمارس حياتنا مثل باقي أطفال المسلمين بدون وجود ما يميزنا عنهم».
هكذا يروي عمرو خالد خلفية طفولته التي بدأت بداية عادية، وتطورت مع تعمق قراءاته في الدين بتواتر مراحل صباه وشبابه. كانت البداية متواضعة وشديدة التحمس للدين الاسلامي من خلال تنظيم مباريات في كرة القدم التي يعشقها عمرو خالد بين فرق المساجد تلي ذلك الرغبة في التوعية بضرورة التمسك بتعاليم الاسلام، ليكتشف عمرو في ذاته القدرة على الحديث للآخرين ودعوتهم. فيبدأ في مسجد صغير بحي العجوزة يتلوه مسجد نادي الصيد الشهير في الدقي، والذي تنتمي لعضويته عائلات الطبقة الراقية في القاهرة، ويضيق المسجد برواده في دروس ذلك الداعية الشاب حديث التخرج في كلية التجارة شعبة المحاسبة. كانت دروسه في البداية تنصب على الامور البسيطة التي يجب على المسلم الالتزام بها في حياته، كالحجاب والصلاة وحسن الخلق. وينجح عمرو خالد في تلك الفترة في استقطاب الشباب والفتيات الذين رأوا فيه واحداً منهم.
يتحدث بلغتهم ويرتدي ملابسهم ويعيش نفس نمط حياتهم مع بعض الالتزام بلا تطرف. كانت لغة عمرو بعيدة تماماً عن لغة الشيوخ الكبار وعلماء المؤسسة الدينية التي لم تستطع التواصل مع الشباب. وتتسع الدائرة حول عمرو الظاهرة شيئاً فشيئاً، حتي لم يعد مسجد نادي الصيد يتسع لمريديه، فينطلق الى جامع الحصري بحي العجوزة، وتزداد شهرته بشكل دفع بعض الاقلام الصحافية الى مهاجمته متهمين من يرتاد دروسه من الشباب بأنهم يعانون الهوس به. كما بدأت نفس الأقلام في التعرض لعلاقته برجال الأعمال الذين فتحوا أبواب بيوتهم له لإلقاء دروس دينية خاصة بهم وبصحبتهم. وقتها التزم عمرو الصمت، ولكنه قال عن تلك الفترة فيما بعد: «لم يكن يعنيني الرد على كل ما أشيع حولي، كان هدفي ولا يزال؛ الشباب والتواصل معهم. فأنا واحد من هؤلاء الذين نشأوا في مجتمع بلا قدوة، ولولا عناية الله ورحمته لما هداني الى هذا الدين».
كان للكتابات التي تناولت ظاهرة عمرو خالد أثرها في منعه من المحاضرة في مسجد العجوزة، وقتها سمحت له السيدة ياسمين الخيام بإلقاء دروسه في مسجد الحصري بحي السادس من أكتوبر، إحدي ضواحي القاهرة. ويقول عمرو عن تلك المرحلة: «عندما ذهبت الى المسجد قبل رمضان بعدة أيام، أصابني الإحباط، فالمسجد ما زال في مرحلة البناء ويحتاج للكثير من التجهيزات التي تحتاج لأشهر طويلة. إلا أن إرادة من حولي كانت تشد من أزري فبدأت في إلقاء الدروس في موعدي بإمكانات بسيطة، فهذا يحضر أجهزة الصوت، وآخر يفرش الارض بالسجاد وهذا يقيم المنبر وهذا يمد أسلاك الكهرباء. وهكذا ليصل عدد رواد المسجد في أول رمضان من هذا العام ما يقرب العشرة آلاف مواطن الذين لم يسعهم المسجد، فافترشوا الارض المحيطة به في الشارع».
ويتحول عمرو خالد في تلك الفترة من مجرد داعية في المساجد الى نجم من نجوم الدعوة عبر شاشة عدد من القنوات التلفزيونية التي أتاحت له الفرصة لتقديم برامج دينية تناولت في البداية خلق المسلم. إلا أن الانطلاقة الحقيقية لعمرو خالد في عالم الدعوة التلفزيونية جاءت عبر برنامج «ونلقى الأحبة» الذي قدمه على شاشة قناة «إقرأ». بات الجمهور العربي والمصري ينتظر تلك الحلقات التي تناولت سير الصحابة، بلهفة وتشوق الى الحد الذي بات برنامج عمرو مرعياً بعدد كبير من الاعلانات التجارية التي كانت تشير وبقوة الى مسيرة ذلك الفتى التي كان بادياً انها لن تتوقف عند حد معين. وليظل عمرو خالد مديناً كما يقول دائما للشيخ صالح كامل صاحب قنوات راديو وتلفزيون العرب بتلك البدايات وما تلاها.
وبخاصة بعد خروج عمرو من مصر عام 2002، وهو الخروج الذي برره برغبته في إتمام دراسته للدكتوراه في لندن، إلا أن الحقيقة وقتها كانت رغبته في الخروج من مصر لشعوره بعدم رغبة البعض في مواصلته لمسيرة الدعوة لا من خلال التلفزيون، ولا من خلال الدروس في المساجد. خرج بإرادته وساعده الشيخ صالح كامل عبر استوديوهاته في بيروت ليواصل من هناك تقديم برامجه الدينية، التي لم تفقده تعلق الناس به كداعية، بل أنهم باتوا يتابعون خطواته في بيروت التي استقر بها وقدم من خلالها برامجه التي اعتاد على تقديمها عبر قناة «إقرأ» التي بات مسؤلاً فيها عن إدارة تطوير البرامج الدينية. وعلى الرغم من بعض سلوكات عمرو التي أثارت البعض ضده حتى من بين مريديه مثل إصراره علي التقاط الصور له وهو يمارس حياته في بيروت مع ابنه في الشارع، وهو يلعب الكره، ويقود سيارته، والتي أظهرته كأحد نجوم الفن لا الدعوة، الا أن تأثير عمرو استمر على حاله.
وكان من أكثر البرامج التي لفتت الانظار وقتها إلي حجم تأثيره الممتد والدور الذي يمكنه أداؤه حتى عن بعد، برنامج «صناع الحياة» الذي منح العديد من الشباب الأمل في مدى قدرتهم على الإسهام في الخروج من بوتقة البطالة والفراغ والجهاد بالعمل والقدرة على النجاح بأبسط الطرق. وبات لعمرو موقع خاص علي الانترنت يختص بتلقي مشاركات الشباب المسلم وإسهاماتهم في كافة مجالات الحياة ومختلف بقاع الارض. وتكونت جماعات من الشباب في دول عربية وإسلامية عديدة وبعض البلاد غير العربية التى يوجد بها جاليات إسلامية مثل كندا وإنجلترا، أطلقوا على أنفسهم اسم «صناع الحياة». وهو ما علق عليه عمرو بقوله: «صناع الحياة كان أحد أحلام حياتي التي سعيت الي تحقيقها منذ بداية تفكيري في الدعوة وضرورة إصلاح الشباب. نعم من بين أهدافي تنشئة جيل من المسلمين يعرف حدود دينه ويحافظ عليه، ولكن من أهم أهدافي أيضاً أن أجعل منهم صناعا للحياة لا مستهلكين لها».
وعلى الرغم من النجاح الذي حققه عمرو خالد في ذلك البرنامج الا أنه لم يسلم من بعض الانتقادات أيضاً وبخاصة بعد أن اتهمه البعض بالترويج لنفسه من خلال هذا البرنامج، والدليل الذي استند عليه أصحاب هذا الاتهام كان تحول الحلقات الى لقاءات مع مسؤولين من حكومات عربية مختلفة تعلن عن دعمها لخطوات عمرو، وهو ما دافع عمرو عنه بقوله: «اذا كنت أبحث عن الشباب وأسعى الى إخراجهم من شرنقة العجز وعدم القدرة على فعل شيء، فإن الطرف الثاني هم المسؤولون الذين يمتلكون المساعدة والتنفيذ. فأنا لست مؤسسة اقتصادية أو مؤسسة سياسية، لقد كنت فقط كحامل المصباح الذي يحاول إنارة الطريق، ثم ما العيب في اللقاء بالمسؤولين الحكوميين؟ أليسوا عربا ومسلمين في أيديهم مفاتيح القرار؟».
ولكن وعلى الرغم من تبريرات عمرو تلك إلا أن عددا من المؤيدين له انسحبوا من حوله بعد اختلاف الأهداف على حد قولهم. وليواصل عمرو طريقه الذي بدأه وليعلن فجأة عن عودته الى مصر نهاية عام 2005، وهو ما أثار العديد من التساؤلات وقتها، وبخاصة أن شرط وجود عمرو في مصر كان مقترنا بتخليه عن فكرة العمل في مجال الدعوة سواء في المساجد أو من خلال برامجه التلفزيونية. وظل السؤال المهم الذي يردده الناس في كل مكان: ما الذي حدث؟ البعض تطوع للرد بالقول عن وجود صفقة بين عمرو والحكومة المصرية التي كانت ترغب في تحسين صورتها أمام العالم وبخاصة أن مجيء عمرو صاحب فترة الانتخابات البرلمانية والرئاسية المصرية، إلا أن عمرو خالد الذي برر خروجه من مصر عام 2002 برغبته في الحصول على الدكتوراه من بريطانيا ـ وهي التي لم يحصل عليها حتى الآن ـ
أجاب بدبلوماسية: «أن لا شيء يحدث في الخفاء، وأنه من الطبيعي أن يعود الى وطنه الذي لم يجبره أحد علي الخروج منه». لكن الامر المؤكد أن عمرو لم يعد الى إعطاء الدروس في المساجد، كما لم يعد الى تقديم برنامجه «صناع الحياة» الذي كان سبباً في اختيار «التايم» له ضمن أكثر 100 شخصية مؤثرة في العالم في شهر مايو (أيار) الماضي، واصفة حجم تأثيره في الشباب المسلم، بتأثير نجوم الروك في الشباب الغربي، مؤكدة أنه برهن على سعة أفقه ورغبته الحقيقية في التواصل مع الآخر بعد زيارته للدنمارك، العام الماضي، بصحبة الداعية اليمني الحبيب بن علي الجفري والدكتور طارق سويدان مدير عام قناة «الرسالة»، لاحتواء أزمة الرسوم المسيئة للرسول صلى الله عليه وسلم، مشيرة الى حجم تهافت الناس على مشاهدة برامجه التي باتت تبث عبر عدد من القنوات الفضائية، غير قناة الشيخ صالح كامل وأخرها «دعوة للتعايش» الذي بث على قناة «الرسالة».
هذا العام يعود عمرو خالد إلى جمهوره التلفزيوني عبر برنامج «الجنة في بيوتنا»، والذي يناقش من خلاله حال التربية والتنشئة داخل الأسرة العربية، ومدى تراجعنا عما كان عليه الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم من تواصل عمَّ كل أفراد الأسرة. البرنامج أنتج تحت رعاية المؤسسة الخيرية التي أنشأها عمرو خالد في المملكة المتحدة تحت اسم «Right Step» أو الخطوة الصحيحة لدعم العديد من الأنشطة وإنتاج برامج اجتماعية ذات صبغة دينية للنهوض بحال الأمة الاسلامية، معلناً عن اعتماد المؤسسة على التمويل ممن يريد ذلك، مضيفاً «عندما فكرت في برنامج الجنة في بيوتنا لتقديمه هذا العام، لجأنا لعمل بحث في عدد من الدول العربية لمعرفة أهم المشاكل التي تواجه الاسرة العربية، ووجدنا من البحث أن أساس غالبية تلك المشاكل عدم التواصل بين أفراد الأسرة الواحدة».
أما سبب اختيار لندن مقرا لمؤسسته الخيرية الجديدة، فمبرره كما يقول شفافية الإعلان عن التبرعات التي تصل لها وحرية العمل والحركة. عمرو الذي أكمل عامه الأربعين منذ عدة أيام، لم يفتر حماسه ولم يتراجع عن تنفيذ أهدافه، مؤكداً أنه تعلم أن تحقيق الآمال لا يتأتى إلا بعناصر ثلاثة هي الإيمان بالفكرة والصبر عليها والصمود في وجه ما يواجهه في سبيلها من عقبات. وعلى الرغم من توصيف البعض لما يدعو اليه عمرو من فكر يوصف بـ«الاسلام الاميركي»، إلا أن المؤكد أن عمرو خالد يبقى شخصية مثيرة للجدل يقبلها البعض ويشجعها، ويرفضها آخرون ويعلنون معارضتهم لها، ويستغلها فريق ثالث لتحقيق بعض الأهداف.