إن هي إلا أيام ويغادرنا الضيف العزيز؛ شهر الرحمة والخيرات· وهاهو ذا يؤذننا بقرب رحيله بعد أن دخلت علينا العشر الأواخر· وهي والله لفرصة
لمن بدأ الشهر بالأعمال الصالحة وفعل الخيرات أن يكثر منها ويختمه بأمثالها· وفرصة لمن فاته خير العمل في بداية الشهر ومنتصفه أن يعوّض ما
فات ويجبر ما انكسر· وفي هذه الأيام ليلة من عبَد الله فيها كان كمَن عبده 83 سنة· إليك أخي المسلم مجموعة من الخطوات التي إن حرصت عليها
كنت مودّعا هذا الشهر بخير خاتمة، وعساك إن حافظت عليها أن تكون ممن يأخذون الجائزة في يوم الجائزة· والجائزة والله غالية ولكن ثمنها يمكن اقتناؤه قبل فوات الشهر، وهي العتق من النار·
1ـ تجديد التوبة والندم على ما فات من التقصير في حق الله أو في حق الناس، والعزم على استئناف الصوم إيمانا واحتسابا·
2ـ تنقية القلب من الأحقاد والضغائن لأي مسلم، لأن الحقد والهجر يؤديان إلى حجب المغفرة والحرمان من الأجر، وذلك في أيام الدهر كله، ومن باب
أولى في أيام شهر رمضان، حيث تتنزل الخيرات والبركات ففي الحديث: ''تُفتح أبواب الجنة يوم الاثنين ويوم الخميس فيُغفر لكل عبد لا يشرك بالله
شيئا إلا رجلا كانت بينه وبين أخيه شحناء فيقال: أنظروا هذين حتى يصطلحا''(رواه مسلم)· وقد خرج النبي صلى الله عليه وسلم يوما على
أصحابه ليخبرهم عن ليلة القدر فتلاحى رجلان (تنازعا) من المسلمين فقال: ''إني خرجت لأخبركم بليلة القدر فتلاحى فلان وفلان فرفعت'' (رواه
البخاري)· وإذا كان سوء ذات البين من المظاهر المشاهدة في مجتمعنا، فإن الوصول إلى تنقية القلب والتحلي بسلامة الصدر من الأمور التي تستدعي
إرادة وقوة في النفس· ومما يعين على ذلك ما يلي:
أـ تذكر ما كان عليه النبي صلى الله عليه وسلم من سلامة الصدر؛ إذ ينبغي أن يكون قدوة لكل مسلم ولكل من أراد أن يحيي سنته ويرد على أية إساءة
وردت بحقه صلى الله عليه وسلم· وقد كان يدعو بسلامة الصدر فيقول: ''واسلل سخيمة قلبي'' (رواه أبو داود)·
ب ـ استحضار ما جاء في فضيلة سليم الصدر من خيرية ومضاعفة أجره في قليل العمل، والأحاديث والأخبار في هذا الباب كثيرة، نذكر منها على سبيل
المثال: حديث: ''خير الناس ذو القلب المخموم واللسان الصادق'' قيل: وما القلب المخموم؟ قال: ''هو التقي النقي الذي لا إثم فيه ولا بغي ولا
حسد'' (رواه ابن ماجة)· وسأل سفيان بن دينار أبا بشر قائلا: أخبرني عن أعمال من كان قلبنا (يعني الصحابة) قال: ''كانوا يعملون يسيرا
ويؤجرون كثيرا لسلامة صدورهم''·
3 ـ رد الحقوق لأصحابها: فإن كانت حقوقا مادية كالأموال والودائع التي يطالبه بها أصحابها، وهو قادر على أدائها فعليه ردها، وإن كانت حقوقا
معنوية كأن تكلم في عرض إنسان أو شتمه أو اغتابه فهنا يستغفر له بظهر الغيب ويكثر من عمل الحسنات حتى تكون له عوضا عن ذلك الفعل·
4ـ صلة الرحم: وذلك لأن زيارة الأقارب من الأعمال الصالحة التي تقرّب العبد من الله، خاصة إذا وقعت بين المسلم وأقاربه· فمن باب أولى أن
يسارع إلى إصلاح ذات البين· وفي الحديث: ''لا يحل لمسلم أن يهجر أخاه فوق ثلاث، وخيرهما الذي يبدأ بالسلام'' (متفق عليه)·
وفي الحديث أن ''الله تعالى خلق الخلق حتى إذا فرغ منهم قامت الرحم فقالت: هذا مقام العائذ بك من القطيعة، قال: نعم أما ترضين أن أصِل من وصلك
وأقطع من قطعك'' متفق عليه· ويروى أن نزاعا وقع بين سبط رسول الله صلى الله عليه وسلم الحسن بن علي وبين أخيه لأبيه محمد بن الحنفية،
فأراد ابن الحنفية أن يصالح أخاه فبعث إلى الحسن قائلا له: أنت خير مني، وأمك خير من أمي، وجدك خير مني جدي، وقد بلغني أن النبي صلى الله
عليه وسلم قال: ''وخيرهما الذي يبدأ بالسلام''· وعن عائشة (ض) قالت: ''صلة الرحم وحسن الجوار يعمران الديار ويزيدان في الأعمار''·
ومعنى الزيادة في الأعمار: البركة فيها وعمارة الوقت بما ينفع من الأعمال الصالحة·
5ـ تخصيص مبلغ من المال للصدقة لاسيما خلال الأيام الأخيرة من رمضان، وأنه يتحرى الليالي الوترية طلبا لليلة القدر، فإن المتصدق فيها كان كمن
تصدق في ثلاث وثمانين سنة· كما يحسن بالمسلم أن يتصدق بالأشياء الزائدة عن حاجته من ثياب ومتاع، فإن غيره قد يكون في أمسّ الحاجة إليها·
وعن أنس بن مالك (ض) أن رجلا من الصحابة مات فقال رجل: ''أبشر بالجنة''· فقال النبي صلى الله عليه وسلم: ''أولا تدري فلعله تكلّم فيما لا
يعنيه أو بخل بما لا ينقصه'' (سنن الترمذي وقال حديث غريب)· وعن أنس بن مالك (ض): ''إن الصدقة وصلة الرحم يزيد الله بهما في العمر
ويدفع بهما ميتة السوء''·
6ـ بر الوالدين: وذلك بتليين الجانب لهما والحديث إليهما بكلام طيب وتخصيصهما بالبذل والعطاء· وقد جعل النبي صلى الله عليه وسلم البر في مرتبة
مقدمة على مرتبة الجهاد في سبيل الله حين سأله عبد الله بن مسعود: أي العمل أحب إلى الله؟ قال: الصلاة على وقتها· قال: ثم أي؟ قال: بر
الوالدين·
7ـ الحرص على ختم القرآن الكريم والدعاء عند الختم إضافة إلى كتابة الأدعية المأثورة عن النبي صلى الله عليه وسلم والدعاء بها مع الإلحاح،
في الثلث الأخير من الليل· والتركيز في ذلك على أمور مخصوصة تجمع بين خيري الدنيا والآخرة·
8ـ إفشاء السلام على من تعرف ومن لا تعرف من المسلمين، لما في ذلك من أجر عظيم في كلمات معدودة وبجهد يسير· فعن أبي هريرة أن رجلا مر
على رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو في مجلس فقال: السلام عليكم· فقال: عشر حسنات· فمر رجل آخر فقال: السلام عليكم ورحمة الله· فقال:
عشرون حسنة· فمر رجل آخر فقال: السلام عليكم ورحمة الله وبركاته· فقال: ثلاثون حسنة· فقام رجل من المجلس ولم يسلم، فقال رسول الله صلى
الله عليه وسلم: ''ما أوشك ما نسي صاحبكم إذا جاء أحدكم المجلس فليسلم، فإن بدا له أن يجلس فليجلس وإذا قام فليسلم ما الأولى بأحق من
الآخرة'' (الأدب المفرد)· وعن عمر قال: كنت رديف أبي بكر (خلفه) فيمر على القوم فيقول: السلام عليكم، فيقولون: السلام عليكم ورحمة
الله، ويقول: السلام عليكم ورحمة الله، فيقولون: السلام عليكم ورحمة الله وبركاته· فقال أبو بكر: فضَلنا الناس اليوم بزيادة كثيرة·
9ـ حسن الجوار: عن طريق تعهّد الجيران بالكلام الطيب وكف الأذى عنهم وإكرامهم بما طابت به النفس من مال أو طعام خاصة إذا كان هناك فضل
طعام· فكثيرا ما نسمع عن أناس ونشاهد آخرين يلقون بما لذ من طعام في القمامة وكان في الإمكان أن ينالوا بسببها أجرا وحسن جوار· إذ يروى أن
رجلا سأل النبي صلى الله عليه وسلم: أي الإسلام خير؟ قال: ''تطعم الطعام، وتقرأ السلام على من عرفت وعلى من لم تعرف''·
وعن أبي ذر عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: ''يا أبا ذر، إذا طبخت مرقة فأكثر ماء المرقة واقسم في جيرانك'' (الأدب المفرد)·