الصبر على أقدار الله
( إني إذا ابتليت عبدا من عبادي مؤمنا فحمدني على ما ابتليته فإنه يقوم من مضجعه ذلك كيوم ولدته أمه من الخطايا /صحيح)
قال العلامة الفوزان – حفظه الله - :
الصبر لغة : الحبس، قال الله تعالى لنبيه: ( وَاصْبِرْ نَفْسَكَ مَعَ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ ) أي: احبسها مع هؤلاء
وأما في الشرع فالصبر هو: حبس النفس على طاعة الله -سبحانه وتعالى- وترك معصيته
وذكر العلماء:
أن الصبر له ثلاثة أنواع: صبر على طاعة الله، وصبر عن محارم الله، وصبر على أقدار الله المؤلمة
فالأول: صبر على طاعة الله:
بأن يؤدي الإنسان ما أمر الله تعالى به؛ وإن كان فيه مشقة عليه، وإن كانت نفسه تريد الراحة؛ فإنه يصبر ...
لأن الطاعة لا بد فيها من تعب
الثاني: صبر عن محارم الله:
فيتجنب ما نهى الله تعالى عنه
والنفس تنازعه تريد الشهوات المحرمة، فهو يصبر على حبسها عنها وإمساكها عنها، وإن كانت تنازعه وتدعوه
وكذلك شياطين الإنس والجن يدعونه ويرغبونه ويحسنون له القبيح، لكن يمسك نفسه ويحبسها عن محارم الله
والثالث: صبر على أقدار الله المؤلمة:
فإن أصابه مرض أو أصابه مصيبة في ماله أو ولده أو في قريبه فإنه يصبر ولا يجزع
هذا من الإيمان بالله، قال تعالى:
( وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ الَّذِينَ إِذَا أَصَابَتْهُمْ مُصِيبَةٌ قَالُوا إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ )
يعرفون أن هذا من الله، وأنه بقضاء الله وقدره؛ فلا يجزعون ولا يتسخطون
أما أقدار الله غير المؤلمة التي تلائم النفس فهذه لا تحتاج إلى صبر، لأن النفس تميل إليها
وهذا النوع الأخير -الصبر على أقدار الله المؤلمة- ذكروا أنه ثلاثة أنواع -أيضا-
النوع الأول: حبس النفس عن الجزع
والنوع الثاني: حبس اللسان عن التشكي لغير الله سبحانه وتعالى
والنوع الثالث: حبس الجوارح عن لطم الخدود وشق الجيوب ... \
( مَا أَصَابَ مِنْ مُصِيبَةٍ إِلَّا بِإِذْنِ اللَّهِ وَمَنْ يُؤْمِنْ بِاللَّهِ يَهْدِ قَلْبَهُ وَاللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ )
فقوله ( مَا أَصَابَ مِنْ مُصِيبَةٍ ) يعني: أن جميع المصائب التي تنزل بالناس من أول الخليقة إلى آخرها
فإن الله قدرها، ليس هناك مصيبة تحدث في العالم إلا وقد قدرها الله سبحانه وتعالى
( إِلَّا بِإِذْنِ اللَّهِ ) أي: بقضائه وقدره
لأن إذن الله على نوعين:
إذن قدري كوني، مثل قوله تعالى:
( وَمَا هُمْ بِضَارِّينَ بِهِ مِنْ أَحَدٍ إِلَّا بِإِذْنِ اللَّهِ ) أي: بتقديره ومشيئته
والنوع الثاني: الإذن الشرعي، مثل: قوله تعالى:
( فَهَدَى اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا لِمَا اخْتَلَفُوا فِيهِ مِنَ الْحَقِّ بِإِذْنِهِ ) أي: بشرعه ...
وقد سمى الله هذا التسليم وهذا الرضى إيمانا، فقال:
( وَمَنْ يُؤْمِنْ بِاللَّهِ ) يعني: يرضى بقضاء الله ويسلم له
وهذا هو الشاهد:
أن الله سمى الصبر على المصيبة والرضى بقضاء الله وقدره إيمانا
( يَهْدِ قَلْبَهُ ) فثمرة الرضا بقضاء الله والصبر والاحتساب: هداية قلبه
لأن الله يجعل في قلبه الإيمان والبصيرة والنور، وهذه ثمرة الصبر على قضاء الله وقدره
أما الذي يجزع
فإن ذلك يسبب العكس، يسبب عمى قلبه، واضطراب نفسه، فهو يكون دائما في اضطراب وقلق
أما المؤمن فهو مرتاح، من هذا كله
فدلت الآية على مسائل عظيمة:
المسألة الأولى: أن المصائب كلها بقضاء الله وقدره
المسألة الثانية: أن الرضى بها والصبر عليها من خصال الإيمان؛ لأن الله سماه إيمانا
المسألة الثالثة: أن ذلك يثمر هداية القلب إلى الخير وقوة الإيمان واليقين