تصل يوميا عشرات الطلبات إلى ولاية الأمن بالدارالبيضاء، لاجتياز امتحان ولوج سلك الشرطة العلمية، وقال مصد أمني أن عدد الراغبين في العمل في سلك هذه الشرطة، سيما العنصر النسوي، ارتفع بشكل ملفت بعد بث الحلقات الأولى من السلسلة التلفزيونية "القضية"، لمخرجها نور الدين الخماري.
المسؤولون في هذه المصلحة، الموجودة خلف بناية ولاية الأمن الكبرى، وسط العاصمة الاقتصادية، لا يكُفون عن نصح أصحاب الطلبات بتوجيه طلباتهم إلى الإدارة العامة بالرباط، لكن فتيات كثيرات مازلن يقصدن قسم الشرطة العلمية، لتلبية فضولهن والتعبير عن إعجابهن بهذه المهنة.
شابة صحافية بمؤسسة إعلامية كبرى، في الدارالبيضاء، قالت إنها عشقت الشرطة العلمية من خلال متابعتها لبطلة الفيلم، التي تقوم، حسب رأيها، بدور يشبه كثيرا العمل الصحافي، بخصوص البحث والتقصي في ظروف وملابسات الجرائم.
إنها ترغب في أن تكون مثل مريم الشرادي، الضابطة بالشرطة التقنية والعلمية، التي تبلغ 23 سنة، وترتدي زيا رسميا أنيقا، وتحمل سلاحا ناريا، نادرا ما تستعمله. فهي لا تفقد السيطرة على أعصابها حتى في أصعب اللحظات، وتقوم بمهمتها بهدوء تام إلى أن تتمكن من وضع حد للغموض واللبس الذي يحيط بالقضية المطروحة.
تتقاضى هذه الضابطة، على الأرجح، أجرا محترما، لأنها تتوفر على إقامة في حي راق، وسيارة المصلحة تكاد تكون في ملكيتها، فهي لا تتوانى في استعمالها في نقل شقيقها المعاق، كما تربطها علاقة بصحافي تمده باستمرار بمعلومات حول الجرائم التي تحقق فيها, والتي غالبا ما تتعرض فيها لمحاولات اعتداء وانتقام، لكن التعزيزات الأمنية تحضر دائما في آخر لحظة لإنقاذها.
هذه هي الصورة الجميلة التي يقدمها المخرج الخماري عن الشرطة العلمية في المغرب، ومريم الشرادي هي بطلة السلسة التي استهوت بجديتها وثقتها الكبيرة في نفسها، عددا من الفتيات الراغبات في ولوج عالم الشرطة.
لكن، هل شروط عمل الشرطة العلمية في الفيلم، هي نفسها التي نراها في الواقع؟
إن المُخرج نفسه يعترف أن سلسلته تحكي عن شرطة علمية "مثالية"، لا توجد حتى في النرويج، البلد الذي عاش فيه طويلا، ويوضح أن هذه الشرطة في جميع أقطار العالم، لا تقوم في الواقع بالبحث والتقصي، واستجواب المشتبه فيهم، وإلا فماذا سيكون دور الشرطة القضائية؟ وعندما تقوم مريم الشرادي بأخذ عينات من دم الضحية، وتحمل الجثث إلى المختبر، وتقوم بتحليلها، فماذا سيبقى لعناصر الطب الشرعي من دور، وهي المختصة في مثل هذه الأعمال؟
تظهر الشرطة العلمية في سلسلة "القضية" كأنها مؤسسة متعددة الاختصاصات, تتحرى الجرائم، وتتقصى ظروف وقوعها، وتطارد المجرمين، وتستنطقهم، وتعتقلهم، وتقدمهم في الأخير، مباشرة، إلى العدالة. والحقيقة أن دور الشرطة العلمية والتقنية لا يتعدى المساعدة في إنجاح الأبحاث الجنائية التي تباشرها الشرطة القضائية، وهو الشيء نفسه الذي تقوم به عناصر البوليس العلمي في الولايات المتحدة الأمريكية، حيث يكون عملها مكملا أو مساعدا لعمل الشرطة القضائية أو لمكتب التحقيقات الفيدرالي "إف بي أي".
ولعل الزي الأزرق الأنيق الذي ترتديه الضابطة الشرادي في "القضية"، لا يوجد إلا في مخيلة المخرج، أما أن تحمل شرطية مغربية السلاح، فهذا أمر غير وارد في الواقع, رغم أن القانون المحلي لا يمنع ذلك.